أمعَنتْ النظر بالمرآة متتبعة خطوط الجراحة أعلى جبهتها.. نزفت عينيها دموع
مُلتهبة أحرقتْ وجنتيها و فاضت صرخة من أعماقها مزّقت جدران الغرفة من حولها .. أجهشت ببكاء غزير وتمتمت
لذاك الوجه المحملق بها من خلف المرآة : " ما أهمية الحياة الآن ،، كيف يتجرأون على منحي هبات سخية من
التعزية ووابل من النصائح " كوني أقوى .. اصمدي ،، اصبري .. أية لعنة حلّت بالحياة لتنتزع مني أخي و
أبي؟!!.." .. حطّمت المرآة بقبضتها و لم تكترث لسيل الدماء المنساب بين أصابعها . كيف ستعيش مع الحياة
المشوهة ، كيف ستتنفس ومع كل نفس تشم رائحة الموت التي خطفت منها أعز الناس؟ .. صفعتها التساؤلات
المجروحة : تباً للحروب ،، تباً لكل سلاح ومن اخترعه بأي حق تحرم منهم ومن حياتها الطبيعية الآمنة ؟ أجهشت
بالبكاء مجدداً والكلمات تختنق على شفتيها: أيها الكون ،، أيها البشر .. ما أردنا شيئاً من مطامعكم ما أردنا
الانعصار في طواحين شراستكم ,, أردنا أن نحيا فقط .. أمسكت برأسها محاولة منع الصور المتدافعة أمامها ..
عجزت عن محو صورة والدها و أخاها الصغير مرميين على باب المنزل و نيران القنبلة ما زالت متصاعدة بالقرب
منهما.. جلست على الأرض وغطت وجهها بيديها، والدماء تتبعثر على شعرها و ساعديها..
******
تلبّدت السماء بجوٍ كئيب وانهال الصقيع على الشوارع الملوثة بالدخان والدماء ،، لكن الغيوم عصية المطر احتقنت
بغضبها و رحلت مع الرياح دون ذرف قطرة واحدة تغسل الأجواء من خطايا البشر! حروب تجرف في فيضاناتها
من شاء ومن أبى لتسرق نعمة الحياة والأحلام من الكثيرين تاركة لهم حفنة دماء تشوه حاضرهم ومستقبلهم
بذكرى لن ينسوها عن آخر شهقة ألم في أجساد الأحبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق